أخبارنا

عندما رفض عبد الناصر تأبط ذراع ملكة اليونان قائلا :"إني أخجل"

عاشت السيدة تحية كاظم زوجة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر؛ في الظل فلم يكن يعنيها طوال 18 عاما كان فيها زوجها ملء السمع والبصر، إلا زوجها الحبيب، أي لا رئاسة الجمهورية، ولا حرم رئيس الجمهورية..!

تروي السيدة الراحلة تحية في كتابها "ذكريات معه" العديد من ذكرياتها مع الرئيس الراحل، وقرارها بالاكتفاء بدور الزوجة والأم طواعية، كما تلقي الأضواء على الجانب الإنساني من حياة الزعيم الراحل.

وطبقا لموقع "لهن" تزوجت تحية من عبد الناصر يوم 29 يونيو 1944 وقد عاشت سنوات دون أن تكتب مذكراتها، وقد حاولت ثلاث مرات أن تكتب مذكراتها، إلا أنها كانت تتوقف في كل مرة وتقوم بالتخلص من كل ما كتبت بالرغم من تشجيع زوجها لها.

تقول أنها فكرت في الأمر للمرة الأولى حين كان زوجها "في سوريا أيام الوحدة في عام 1959"، وواظبت على الكتابة نحو ثلاث سنوات وكان هو يرحب بذلك، إلا أنها غيرت رأيها في ما بعد، "وتخلصت مما كتبت وأخبرت الرئيس فتأسف"، وقال لها: "افعلي ما يريحك".

لكنها رأت أن تكتب في ذكرى وفاته الثالثة 1973، وكان نجله عبد الحكيم الطالب في كلية الهندسة بجامعة القاهرة هو الذي ألح عليها أن تكتب ليعرف كل شيء عن أبيه.

كانت البداية علاقة عائلية بين الأسرتين حمست جمال لطلب يدها.. لكن شقيقها الأكبر عبد الحميد - الشديد في البيت وله حياته الخاصة خارجه - رفض لكنه عاد ووافق بعد وفاة أمها وحدد موعدا لمقابلة جمال 14 يناير 1944 وحدد موعد الخطوبة بعد أسبوع وكان الزفاف بعد خمسة أشهر، لكنها لم تر الشقة التي تزوجت فيها.. وكان الزفاف يوم 29 يونيه من نفس السنة.. وليلتها " صعدنا السلالم حتى الدور الثاني ثم حملني حتى الدور الثالث.. مسكننا ".

(لا يحب الاختلاط)

لم يكن جمال يحب الاختلاط خاصة بين الضباط " وكنت أعرف ضيوفه من أصواتهم "، وكان يستعمل بطارية صغيرة عند نزوله السلم ولو كان مضاءً، وكان منظماً في كل شيء.. " ولا يحب أن يساعده أحد في لبسه " ولا في خلق وتعليق ثيابه، وكان " يخرج معي مرة كل أسبوع وغالبا إلي السينما ".

وعندما قالت له ذات يوم وقد عاد إلي البيت فجراً إنها تخاف عليه وعلي أولادها من التشرد رد قائلا: " يا للأنانية كل ما يهمك في البلد هو زوجك وأولادك.. يعني لا تفكري إلا في نفسك ".

وقبل موعد الثورة بيومين لم ينم.. وليلة الثورة طلب منها أن تأخذ هدي ومني وخالد وتخرج للسينما لكنها فضلت ان تمشي بالقرب من حديقة قصر القبة.. وفي الساعة الحادية عشرة مساء عاد وارتدي ملابسه العسكرية علي غير عادته وادعي وهو خارج أنه مشغول في تصحيح أوراق كلية أركان الحرب.. وبعد ساعة سمعت طلقات رصاص.. وجاء أخواه وظلا صامتين وكأنهما يعرفان شيئا.. وعندما سمعا صوت المدرعات هللا فرحا فقد قال لهما جمال " إذا رأيتم الجيش نازل والدبابات والعربات اعرفوا إني نجحت ".. وفي السادسة صباحا جاء ثروت عكاشة قائلا: " أهنئك من كل قلبي نجح الانقلاب ".. لكنها تساءلت: أين جمال؟ فقال: " قريب منك بينك وبينه خمس دقائق ".

تعود جمال أن يضع مصحفا ذا غطاء معدني في جيبه لكنه لم يجده وهو مسافر إلي الإسكندرية في صيف 1954 فأعطيته مصحفا آخر ثم وجدت المصحف الأول فجريت وأعطيته له ومن يومها وهو يخرج بالمصحفين.. وبفضلهما نجا من ثماني رصاصات أطلقت عليه في المنشية.. وما أن يعود إلي البيت حتي يضع المصحفين في مكان لا يتغير من الحجرة وهو ما فعل في يوم 28 سبتمبر 1970 " وأنا الآن محتفظة بهما وأعتز بهما ".

(يرفض ملابس السهرة)

تروي تحية أنه في عام 1960 كانا في زيارة رسمية لليونان، وأبلغ عبد الناصر بدعوة الملك إلى عشاء يجب أن يكون بملابس السهرة للرجال والنساء، فقال عبد الناصر إنه لن يرتدي ملابس السهرة حتى ولو ألغي اللقاء، فرد الملك قائلا إنه يرحب بحضور عبد الناصر وينتظر زيارته "المهم أن يزور اليونان".

وفي اليونان "وقفت الملكة بجوار عبد الناصر لتتأبط ذراعه وتمشي بجواره فقال لها سأمشي بجوار الملك وأنت تمشين بجوار زوجتي، فسألته الملكة وماذا لو تأبطت ذراعك، قال لها إني أخجل، فرجعت الملكة ووقفت بجواري، وقالت لي بالإنجليزية أعطني يدك أو سآخذ يد زوجك".

لم يكن عبد الناصر يحب البذخ والترف، ولا يرى ضرورة لأن تصاحبه زوجته في سفره، باعتبار ذلك "رفاهية لا يرضى بها"، وكان الرئيس لا يقبل هدية إلا من رئيس دولة ويفضل أن تكون رمزية، وقد تلقى من رؤساء وملوك سيارات وطائرة وغيرها وسلمها للدولة، ولم يترك بعد رحيله إلا سيارة أوستن السوداء التي اشتراها عام 1949.

وعند زواج ابنتهما هدى قدمت زميلة لها - وهي ابنة سفير - ساعة مرصعة فلم يقبلها عبد الناصر، وحث هدى على أن تكتب لزميلتها خطابا رقيقا.

(ولا يحب القصور)

لمدة ست سنوات من مسئوليته السياسية لم نعد نخرج سويا، وكان يقول لها المهم أن تخرجي وتنبسطي.. وبسبب تعديلات في البيت أقمنا بعض الوقت في قصر الطاهرة.. لكن " لم يكن الرئيس مرحبا بالإقامة في قصر الطاهرة ويشعر أنه غير مستريح وكان يقول لي: لا أحب القصور ولا الحياة في القصور ، ويستعجل الانتهاء من البناء ".

لم يكن هناك مواعيد للأكل مطلقا، خاصة الغداء.. أما الإفطار فكان يطلبه في غرفة النوم وأحيانا كان يتناول كوب لبن أو عصير فاكهة، " أما العشاء فكان يتناوله بمفرده أو أتناوله معه إذا كان الوقت متأخرا وغالبا ما يكون جبنة وزبادي وفاكهة، والأكل عموما لا يكون متعدد الأصناف.. يعني لحم وخضار وأرز ".

تتحدث تحية عن دهشتها حين ترد على التليفون "وكنت أسمع كلمة وزير ولم أعتد سماعها إذ كيف يتحدث وزير ويطلب بيتنا في التليفون.."! أما المكالمة التي سعدت بها فكانت من أم كلثوم التي قابلت عبد الناصر وطلبت أن تزور زوجته.

وتذكر أن أعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا أحيانا يجتمعون في البيت حتى الصباح أو الظهر ثم يذهبون ويعودون مرة أخرى بالليل "وكانت القوانين التي تصدر وأقرأها في الجرائد وأسمعها في الإذاعة تصدر أغلبها بعد الاجتماعات المستمرة في بيتنا".

أما الوحدة بين مصر وسوريا 1958-1961 فتناولتها تحية من لحظة النهاية حين تلقى عبد الناصر مكالمة تفيد بوقوع انقلاب عسكري في سوريا ثم خرج وخطب في الإذاعة وكانت متأثرة لحزنه. "وفي نفس الوقت للحقيقة لم أكن حزينة للانفصال.. لم تكن الوحدة بالنسبة لي شيئا استريح له... زاد عمله لأقصى حد وفي أخر سنة 1958 مرض بالسكر".

(لحظاته الأخيرة)

بعد القمة الطارئة لإنقاذ الفلسطينيين من مذبحة الأردن عقدت القمة العربية الأخيرة في حياة الرئيس الذي مكث في فندق هيلتون حتي انتهت القمة بالتوافق الذي كان ينشده.
في اليوم الأخير رجع الرئيس من المطار بعد وداع أمير الكويت في الثالثة بعد الظهر.. قالت هدي بصوت خافت: " ماما بابا تعبان شوية وسينام ".. لكنه رآها فقال: تعالي يا تحية وأشار إليها ان تجلس.. فجلست علي طرف السرير وسألها هل تناولت طعام الغداء فأجابت نعم وبقيت بالقرب منه عشر دقائق وهو راقد يتكلم.

وحضر الدكتور الصاوي حبيب وطلب عصيرا للرئيس فأعدته تحية بنفسها وبعد أن شربه قال لها: متشكر.
خرجت من الحجرة وجلست في حجرة المكتب، وبعد دقائق حضر دكتور اختصاصي منصور فايز فقلت له بالحرف: أنت جيت له يا دكتور دلوقتي؟ أنا لما بأشوفك بأعرف إن الرئيس تعبان وبأكون مشغولة.. فرد وقال: أنا معتاد أن أحضر كل أسبوع في يوم الاثنين واليوم الاثنين.

بقيت جالسة في حجرة المكتب وسمعت الرئيس يتحدث، وسمعت الراديو.. نشرة الأخبار في إذاعة لندن.
قالت لي مني ابنتي: بابا بخير والحمد لله، تعالي نخرج من هنا.. وخرجت معها وجلسنا علي الترابيزة في حجرة السفرة، وبعد دقائق جاء لي الدكتور الاختصاصي وقال: الرئيس الآن تحسن وإذا أردت الدخول له فلتدخلي.. وأخذ يدخن سيجارة فقلت له: لا داعي حتى لا يشعر أني قلقة.

بعد لحظات جاء الدكتور الصاوي يجري مسرعاً وقال: تعالي يا دكتور.. ودخل الدكتور يجري، ودخلت لحجرة المكتب ومنعتني مني من الدخول لوالدها وقالت: إن بابا بخير لا تخافي يا ماما، وأجلستني في حجرة المكتب وجلست معي. وبعد فترة حضر دكتور آخر ثم دكتور ثالث.. فدخلت عنده ووجدت الأطباء بجانبه يحاولون علاجه.


كنت أبكي وخرجت حتي لا يراني جمال وأنا أبكي، ثم دخلت له مرة ثانية وازداد بكائي وخرجت وجلست في حجرة المكتب، ودخل عدد من السكرتارية، ثم حضر حسين الشافعي ومحمد حسنين هيكل، وكل واحد يدخل الحجرة ولا يخرج منها.. وكنت أبكي.

أصرت مني أن أخرج إلي الصالة فكنت أمشي وأقول: جمال جمال.. ووجدت الكل يخرج وينزل السلالم فدخلت مسرعة.. رأيت حسين الشافعي يخرج من الحجرة يبكي ويقول: مش معقول يا ريس! وحضر خالد وعبدالحكيم في هذه اللحظة ولم يكونا في البيت ولا يدريان شيئاً، ودخلا مسرعين، وحضرت هدي وكانت لا تعلم بما جري بعد ذهابها لبيتها.

دخلت للرئيس ووقفت بجواره أقبله وأبكيه، ثم خرجت من الحجرة لأستبدل ملابسي والبس ملابس الحداد.. ونزلت مسرعة إلي الدور الأول ووجدت الكل.. الأطباء والسكرتارية وهيكل وحسين الشافعي وأنور السادات والكل واقف في الصالون.

قلت لقد عشت ثمانية عشرة عاما لم تهزني رئاسة الجمهورية ولا زوجة رئيس الجمهورية وسوف لا أطلب منكم أي شيء أبداً.. أريد أن يجهز لي مكان بجوار الرئيس لأكون بجانبه.. وكل ما أرجوه أن أرقد بجواره.
AHMED

ليست هناك تعليقات