أخبارنا

أستاذي .. وأفتخر




بقلم مروة مظلوم

"مروة إوعي تبتسمي  قدام عبدالله ".. تردد الصوت كثيراً في عقلي ليذكرني بلقائي الأسبوعي به والنصيحة التي تشبه رسائل المحمول المسجلة .."لاتبتسمي.. لاتبتسمي"..  أعلم أنه رجل صارم حازم ولكن مالذي يضيره من  ابتسامي ؟!.. فليكن لن أبتسم  مادامت الإبتسامة تهدد حياتي المهنية في تلك المؤسسة العريقة "روزاليوسف"..



وهكذا كلما رأيت ذلك العملاق في إجتماع ،في أروقة الجريدة ، في المصعد صدفة عقدت حاجبي بشكل تلقائي وضممت شفتي في امتعاض فإذا بملامح وجهه المتحفزة تبُسط وتنفرج شفتيه عن ابتسامة أجاهد نفسي ألا أبادله إياها حتى لا أفقد ملامح الجدية .. لكنه هذه المرة استوقفني.. " انتِ بتقلديني ؟!"لم أتمالك نفسي  وابتسمت وأنا أقول "حذروني من الضحك والإبتسام في حضرتك؟! والله ماقصدت أن أقلدك "..ضحك وقال "كمان مش عايزة تقلديني؟!" اكتفيت بالإبتسامة ولم أرد.

كان لكل منا معتقداته الجميع كان يخشى من أن تلفظ "مروة" ولو بالخطأ أمامه بعضاً من أفكارها  فيقذف بها خارج المؤسسة  في الحقيقة لم أهتم بحوارات السياسة  .. كان مايشغلني الجانب الإجتماعي  لكل من قابلتهم أما مع القرأ فكنت ولازلت  أخاطب الجانب الإنساني  فيهم .. وكنت أرى في أستاذ عبد الله كمال .. عقل أبي .. فهو لايرفض الفكرة لمجرد الرفض والإحباط ولكن إن أقنعته بها توجك ملكاً .. وتلك شهادتي عنه ..

ذلك الرجل أتاح لنا فرصة لم تتوافر في تلك الفترة لأبناء جيلنا "التفكير".. فهي تجربتنا الأولى في الصحافة  تواصلنا فيها مع طبقات كادحة نقلنا صور من حياتهم اليومية بمشاكلهم ..صداقاتهم علاقاتهم  في صفحة أسبوعية حملت عنوان "وجوه مصرية" .. وأخرى  تتحدث عن نماذج ناجحة علماء ،مخترعين صغار، أبطال رياضيين  مواهب شابة حملت اسم "أنجح ناس" ..  إقتطع "كمال "من صفحات الجريدة  باباً للشباب يعرض أفكارهم  في الجامعات على المقاهي في النوادي على أعتاب مؤسسات الدولة ممن ينتظرون قطار الآحلام وكان بعنوان "إحكي ياشباب" ..

كانت روزاليوسف هي الجريدة الوحيدة بين أقرانها التي تخصص مساحة  لعرض الكتب والندوات الأدبية والمعارض الفنية  .. فضلاً عن الملفات الخاصة والتي  تذكر كلنا منا بأن مناسبات المصريين وأعيادهم أضعاف أيام عملهم الرسمية ..فكر جديد يشهد له الجميع أن أحد قبله أو بعده قدمه على هذا النحو  ..

ولكل الساخرون من عبارته"أفكار تكتيكات".. جريدة روزاليوسف في عهد العبقري عبدالله كمال  صار على نسق أفكارها الشابة معظم الصحف الناشئة  التي سلقته بألسنة حداد بعد الثورة وكانها احتكت وعبرت عن مشاكل الشعب أكثر منه ..على غرار بيت الشعر " أعلمه الرماية كل يوم..فلما اشتد ساعده رماني.. وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني.

أستاذي .. أقولها بفخر اتفقت أو إختلفت معك أنت رجل مهني  ينحني الجميع لأسمه  احتراماً ..إجتماعه الأسبوعي الذي كان ترتعد له أطرافنا علمني ألا أكون متلقي للخبر  فأنا صانعه وهناك خبايا وزوايا مغطاة وراء ماهو ظاهر من الأمور  يجب أن أكشفها، وأن لا أقبل كل شيء كما هو وأردده كببغاء معتوه .. ثم أعود لأعتذر عن موقف ومبدأ تبنيته منذ البداية .. لأظهر أمام الجميع كشخص مهزوز .. لايثق به أحد..ولايثق هو بنفسه .

أستاذي..  أعجبني فيك مطابقة قولك لفعلك وعلانيتك لسرك.. لم تتلون مثلهم .. لم تركب الأمواج .. ولم تنكسر للريح حتى تمر  .. رجل المبدأ الواحد .. وهم يعلمون  ..
أستاذي بثباته وعزمه  كان خير معلم  حتى بعد رحيله عن روزاليوسف  علمني كيف أحاول أن أفهم، ونبّهني بأن هناك من يخشى هذا الفهم.. أن أرفض أن تكون “عقيدتي” مصونة من “العُقد” وأن أقوى على احتمال الرأي المخالف ..

أستاذي الإنسان  "عبدالله كمال".. علمني أن مايربطني  بزملائي أقوى ممايربطني برئيسي في العمل فالعلاقات الإنسانية أهم وأبقى والعمل بخلافاته ورئيسه زائلون .. حرص على مشاركتنا مناسباتنا الخاصة .. ونضالنا للتعين بعد رحيله .. أحيا فكرة روزاليوسف "الجريدة" اليومية والتي ربط مصيرها بالمجلة الأسبوعية .. يمكنك استشعار روح عبد الله كمال في نطق اسمها "روزا"..
لذا لايسعني بعد ماقرأته من رثاء لزملاء المهنة الواحدة .. ممن ظهرت حقيقتهم المخجلة في كلماتهم الحاقدة على الرجل بعد رحيله عن عالمنا أن أتوجه إليهم برسالة ..

من أبناء روزاليوسف "الغير متلونون "إلى صحف  مصر الناشئة التي لاتخلو صالات تحريرها من أحد أبنائها تلاميذ عبدالله كمال  أصغر رئيس تحرير لجريدة قومية ..ادعوا بالرحمة والمغفرة  لذلك الرجل الذي بث دماء شابة في أوردتكم الصدئة  .. كانت جرأة منه عندما أسس جريدة قوامها الشباب.. أرض خصبة أمدتكم بالحياة .. هل منكم من ينكر فضله ؟!.. فليعلو بصوته إذاً ويحدثنا عن قصة كفاحه الشريف في بلاط صاحبة الجلالة ..  

أما أنا فلن أنسى بعد الله فضل هذا الرجل  أبداً في حياتي.. ولا تلك الرهبة  التي شعرت بها في آخر لقاء جمعني به عندما   عبثت يده في صفحات مؤلفي الأول .. ونظر لي في اقتضاب وهو يقول"أين ؟!.. أين الإهداء أين التوقيع؟!"  

خطتها يدي بفخر ..أستاذي صاحب المبدأ الواحد أهدى إليك  أول مؤلف يحمل اسمي .. "صندوق بريد القمر"
مع خالص احترامي
مروة مظلوم
21فبراير  2012
AHMED

ليست هناك تعليقات