أخبارنا

خريطة تهريب أموال علاء وجمال مبارك

2 ابريل 2011

لا حديث‮ ‬يشغل الرأي‮ ‬العام في‮ ‬مصر الآن سوي‮ ‬الخاص بثروة مبارك وأسرته ومماليك عصره‮.. ‬ولا رغبة ملحة أكثر من البحث عن اجابات شافية وقاطعة تبعث للارتياح،‮ ‬عن أكثر الأسئلة التي‮ ‬تبدو ملحة ومتكررة بصيغ‮ ‬وأطروحات مختلفة‮.. ‬هل ستعود الثروات المنهوبة للشعب مرة أخري؟ الجميع علي‮ ‬مختلف اتجاهاتهم وأعمارهم من العامة أوالنخبة المهمومة بالشأن العام‮ ‬يتابعون ما‮ ‬يجري‮ ‬من تحقيقات ويترقبون إطلالة المسئولين بالتصريحات التي‮ ‬تخرج‮ ‬يوميا لمعرفة المزيد عن حجم الثروات التي‮ ‬ذهبت الي‮ ‬جيوب أهل الحظوة،‮ ‬ممن اختزلوا حجم الوطن بثرواته ومؤسساته في‮ ‬شكل اقطاعية،‮ ‬أو مجموعة من العزب الخاصة‮ ‬يمرحون فيها كيفما شاءوا ومتي‮ ‬أرادوا دون مراقبة وإن وجدت الرقابة فدون مساءلة‮.‬

من بين الذين حولوا الوطن وثرواته الي‮ ‬اقطاعية للمجاملات أسرة مبارك نجلاه جمال وعلاء وزوجته وأصهاره فأتاح لهم جميعا قربهم من دائرة صناعة القرار،‮ ‬التأثير في‮ ‬مجريات الأحداث السياسية،‮ ‬وتحقيق أكبر قدر من المكاسب الاقتصادية والحصول علي‮ ‬الثروات والأموال بطرق تظل تفاصيلها‮ ‬غير معلومة لغياب الشفافية،‮ ‬ويسرلهم ما‮ ‬يملكونه من نفوذ إخراج هذه الثروات بطرق وأساليب تفوق قدرة منظمات‮ »‬المافيا‮« ‬للنجاة من رقابة السلطات المعنية بالمراقبة وتتبع مصادر الثروات‮.‬

نفوذ الأسرة الحاكمة لم‮ ‬يعد خافيا علي‮ ‬أحد،‮ ‬والسلطة التي‮ ‬كانت لدي‮ ‬جمال من الناحية السياسية بلغت الي‮ ‬حد الأمر والنهي،‮ ‬كما أن نفوذه وشقيقه علي‮ ‬حد سواء في‮ ‬أسواق المال وعالم الاقتصاد‮ ‬يثير الريبة ويفتح الشهية للبحث في‮ ‬خبايا وأسرار علاقاتهما المتشابكة في‮ ‬مجال البيزنس داخليا وخارجيا،‮ ‬خاصة جمال الذي‮ ‬كان‮ ‬يحدد ملامح الخريطة الاقتصادية،‮ ‬من خلال نفوذه اللا محدود علي‮ ‬مجريات صناعة القرار،‮ ‬بتعيين الوزراء وتكليفهم بمهام وسياسات فتح مجملها الباب علي‮ ‬مصراعيه للعمولات وانتشار الرشاوي‮ ‬وتحقيق الثروات المبالغ‮ ‬فيها‮.. ‬سلطات جمال أتاحت له معرفة الأسرار وتوقعات المكسب والخسارة في‮ ‬الأنشطة الاقتصادية والاستثمارات في‮ ‬البورصة‮.‬

ما جري‮ ‬مؤخرا من تسريب لحجم الثروات المملوكة لأسرة الرئيس زوجته سوزان ثابت ونجليها والأحفاد والأصهار،‮ ‬يدفع للتأمل كثيرا لانتقاء الاتهامات فما كان‮ ‬يعلنه جمال مبارك في‮ ‬وسائل الإعلام،‮ ‬من خلال التصريحات المغلفة بمساع مشكوك فيها لتعظيم الأوضاع الاقتصادية من خلال رئاسته لأمانة السياسات بالحزب الذي‮ ‬كان‮ ‬يحكم،‮ ‬يدفع للحيرة والمزيد من التأمل في‮ ‬تلك الأسرة،‮ ‬فالواقع‮ ‬يختلف تماما عن‮ »‬البوروباجندا‮« ‬والتصريحات التي‮ ‬كان‮ ‬يصدع بها رؤوسنا ليل نهار‮. ‬فما كان‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬الخفاء مثير ومجمله عمليات تهريب للأموال والثروات بطرق مريبة الي‮ ‬عدة دول لديها سمعة سيئة في‮ »‬تبييض‮« ‬الأموال القذرة أو مجهولة المصدر،‮ ‬والناتجة في‮ ‬أغلب الأحوال عن صفقات مشبوهة أو عمولات تخليص المصالح وتسهيل الحصول علي‮ ‬المنافع‮.‬

تحت أيدينا - طبقا لجريدة الوفد - ملفات ضخمة عن استثمارات تتجاوز مئات المليارات من الدولارات فهذه الملفات تحتوي‮ ‬علي‮ ‬خريطة توزيعها علي‮ ‬عدد من الدول وكيفية خروجها من مصر جهارا نهارا‮.. ‬وتكشف أيضا عن النوايا المبيتة سلفا لتحقيق الثروات التي‮ ‬تفوق ميزانيات عدة دول من بينها مصر المنهوبة طبعا‮.‬

أوراق تلك الملفات تتضمن استثمارات كل من علاء وجمال نجلي‮ ‬الرئيس السابق وتفوح منها رائحة كريهة تشي‮ ‬بأن تدمير الاقتصاد وتهريب الثروات حزمة متقنة لها أساليبها وخرائطها المثيرة للدهشة‮. ‬فلو لم‮ ‬يكن هناك عزم وتدبير احترافي‮ ‬لاستغلال النفوذ ما كان لنجلي‮ ‬الرئيس ومعهما شخصيات بارزة ولامعة في‮ ‬مجال البيزنس إخراج الثروات والأموال لاستثمارها في‮ ‬الخارج وذلك في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬تقدم فيه الدولة كافة التسهيلات لتشجيع الاستثمار الداخلي‮ ‬وجذب الخارجي‮ ‬وهو ما‮ ‬يذهب بنا للإشارة بأن تلك الأموال التي‮ ‬وردت في‮ ‬صورة أسهم وشركات تبدو‮ ‬غير معلومة المصدر،‮ ‬دخلت جميعها كاستثمارات في‮ ‬عدة دول‮ »‬اليونان ـ قبرص ـ بريطانيا ـ بنما ـ الولايات المتحدة الأمريكية‮«.‬

أما الأسلوب الذي‮ ‬جري‮ ‬اتباعه في‮ ‬تأسيس تلك الشركات‮ ‬يفوق القدرة علي‮ ‬الملاحقة،‮ ‬فكل شركة تلد منها عدة شركات والشركات الأخري‮ ‬تتداخل مع‮ ‬غيرها بصورة معقدة تبدو عصية علي‮ ‬الفهم لكن التقليب في‮ ‬الأوراق‮ ‬يكشف عن الأسلوب الذي‮ ‬جري‮ ‬اتباعه في‮ ‬تأسيس هذه الشركات وطريقة خروج الأموال والثروات‮.‬

التفاصيل المحيطة بالأوراق‮ ‬غاية في‮ ‬الإثارة فهي‮ ‬تشير الي‮ ‬أن الأموال كانت تخرج من مصر بعدة طرق جزء منها‮ ‬يخرج كتحويلات من المصرف المتحد،‮ ‬الي‮ ‬سلطنة عمان والجزء الأكبر في‮ ‬حقائب علي‮ ‬الطائرات الخاصة،‮ ‬واليخوت في‮ ‬البحر الأحمر،‮ ‬ومن‮ »‬عمان‮« ‬الي‮ ‬اليونان وفي‮ ‬اليونان‮ ‬يتم تأسيس شركات قانونية معنية بأعمال الوكالة والمحاماة وكل محام في‮ ‬اليونان حسب النظام فيها هو رجل أعمال داخل الشركة‮ ‬يقوم بإجراءات أعمال البيزنس وعلي‮ ‬أساس هذه الطريقة تشكلت دائرة شائكة ومعقدة من الشركات المتداخلة فيما بينها عن طريق شراء الأسهم‮.‬

الشبكة الموجودة في‮ ‬اليونان مكونة من مجموعات‮ »‬عرب ـ مصريين ـ أوروبيين‮« ‬وهي‮ ‬عبارة عن عدد من الشركات القانونية التي‮ ‬تقوم بشراء الأسهم والأوراق المالية والعقارات بالتداخل مع شركات أخري‮ ‬في‮ ‬قبرص‮.‬

ولم‮ ‬يكن اختيار قبرص عشوائيا فهي‮ ‬لم توقع علي‮ ‬أي‮ ‬اتفاقيات لمنع‮ ‬غسيل الأموال،‮ ‬أو تسليم المحكوم عليهم،‮ ‬أو رد الأموال‮. ‬وعلي‮ ‬خلفية الإجراءات التي‮ ‬سبقت تقوم الشركات الموجودة في‮ ‬قبرص،‮ ‬بتحويل الأموال الي‮ »‬بنما‮« ‬وتوجيه الأسهم الي‮ ‬شركات أخري‮ ‬تم تأسيسها في‮ »‬بنما‮« ‬ومنها الي‮ ‬الولايات المتحدة الأمريكية ثم بريطانيا لشراء العقارات والمصانع وأسهم الشركات‮.‬

المغزي‮ ‬من هذه الإجراءات المعقدة ليس لها وصف سوي‮ ‬احتراف السرقة وتهريب الأموال عبر شركات القانون التي‮ ‬لا توجد عليها أي‮ ‬علامات استفهام في‮ ‬أوروبا وهي‮ ‬تضم في‮ ‬مساهماتها عدة بنوك للإمعان في‮ ‬التضليل ويفوق نشاطها المتداخل أسلوب‮ »‬المافيا‮«. ‬نحن إذن أمام شبكة عنكبوتية حسب الملفات التي‮ ‬بذلنا جهدا في‮ ‬ترجمتها بدأت منذ أن كان جمال مبارك‮ ‬يعمل في‮ ‬بنك‮ »‬أوف أمريكا‮« ‬بلندن ومنحه هذا العمل خبرة واسعة في‮ ‬كيفية استثمار الأموال،‮ ‬وإبعادالشبهات عن أصحابها بإقامة سياج من السرية والتعتيم لكن هذا لم‮ ‬يمنع من ظهور اسما علاء وجمال نجلي‮ ‬الرئيس،‮ ‬الي‮ ‬جانب أسماء أخري‮ ‬لامعة في‮ ‬نشاط المال والأعمال مثل إبراهيم كامل ومحمد البردعي‮ ‬ممثل بنك مصر‮.‬

امتد نشاط البيزنس الواسع عن طريق تداخل الاستثمارات من عرب وأجانب في‮ ‬تلك الشبكة فقد كشفت الأوراق عن شراكة مع رنا زين العابدين التي‮ ‬تنتمي‮ ‬الي‮ ‬أسرة الرئيس التونسي‮ ‬السابق،‮ ‬وهذه السيدة لديها جنسية قبرصية‮. ‬وعلي‮ ‬رأس هؤلاء الأردني‮ ‬وليد كابا الذي‮ ‬يحمل الجنسية البريطانية وهو اللغز المحير‮.‬

البداية كانت تأسيس نواة الشبكة وهي‮ ‬شركة‮ »‬بوليون‮« ‬للاستثمارات المالية وأدارها وليد كابا صديق جمال الذي‮ ‬تعرف عليه في‮ ‬لندن أثناء عمل الأخير في‮ ‬بنك‮ »‬أوف أمريكا‮« ‬ثم تداخلت بوليون مع شركة أخري‮ ‬خارج نطاق الرقابة‮ »‬أوف شور‮« ‬إحداها‮ ‬يطلق عليها‮ »‬بان ورلد‮« ‬للاستثمارات وهكذا تتم عمليات التداخل والتشابك بغرض التضليل‮.‬

إن تلال المعلومات والوثائق لم تتوقف عند كشف المزيد من الثروات المنهوبة التي‮ ‬جري‮ ‬استثمارها في‮ ‬مجالات مختلفة في‮ ‬أوروبا،‮ ‬فقد دخلت مساهمات نجلي‮ ‬الرئيس وإبراهيم كامل في‮ ‬أنشطة فنية وموسيقية وأنشئت مجموعة من الشركات لهذا الغرض بتاريخ‮ ‬2005‭/‬7‭/‬5‮ ‬مع مستثمرين من جنسيات مختلفة بولندية وأخري‮ ‬برتغالية مثل‮ »‬أولڤيرا‮« ‬ويونانية مثل‮ »‬لوڤاج جورجيت‮« ‬وتتواصل التفاصيل الي‮ ‬تأسيس شركة‮ »‬إيچيبت تراس‮« ‬وتعني‮ »‬مصر الثقة‮« ‬وهي‮ ‬إحدي‮ ‬شركات صناديق الاستثمار والمال ففي‮ ‬أوراق إجراءات تأسيس الشركة لا‮ ‬يوجد ما‮ ‬يوحي‮ ‬بأن جمال مبارك شريك أو‮ ‬يملك أي‮ ‬حصص فيها،‮ ‬وهذه الشركة تأسست في‮ ‬2001‮/‬10‮/‬23‮ ‬برقم‮ ‬67534‮/‬526‮/‬32‮ ‬لوكسمبرج‮. ‬وأعضاء مجلس المديرين فيها إبراهيم كامل و»مايكل بيكيت‮« ‬ممثل نادي‮ ‬لندن الدولي،‮ ‬و»مايكل ثابت‮« ‬وحافظ الغندور،‮ ‬ثم جمال مبارك،‮ ‬الذي‮ ‬ظهر اسمه لأول مرة‮. ‬ويضم مجلس الإدارة شاكر ألبرت خياط وأحمد منير البردعي‮ ‬عن بنك مصر،‮ ‬ومصر أمريكا الدولي‮.‬

هذه الأسماء برمتها ظهرت علي‮ ‬الأوراق في‮ ‬14‮ ‬يناير‮ ‬2005‮ ‬وهذه الشركة أنشئت في‮ ‬جزر الكاريبي،‮ ‬والأسهم المملوكة لها تخص شركة أخري‮ ‬يملكها جمال مبارك اسمها‮ »‬حورس‮« ‬للاستثمارات في‮ ‬الأوراق المالية،‮ ‬ودخلت هذه الشركة في‮ ‬مساهمات لدي‮ »‬هيرمس‮« ‬في‮ ‬مصر‮.‬

إذا كان هذا عن جمال مبارك،‮ ‬فإن الأمر لا‮ ‬يختلف كثيراً‮ ‬بالنسبة لشقيقه علاء‮. ‬فهو لم‮ ‬يكن بعيدا عن النشاط العنكبوتي،‮ ‬فكشفت الأوراق الموجودة بحوزتنا أن ظهور علاء كان مقروناً‮ ‬بأنه مدير بالشركة إلي‮ ‬جانب آخرين سعيد شماسي‮ ‬سوري،‮ ‬ووليد كابا وسقراطوس سولوميدس‮ »‬قبرصي‮«. ‬وعزت جارا وبكري‮ ‬السعدي‮ ‬كويتي‮. ‬وكان ذلك منذ عام‮ ‬1996‮ ‬وكانت تتم عمليات بيع وهمية بأسماء صورية حتي‮ ‬لا‮ ‬يتم معرفة الأصحاب الحقيقيين لأصحاب الأسهم وهو نوع من عمليات‮ »‬غسيل الأموال‮«.‬

ففي‮ ‬الاجتماع السنوي‮ ‬الذي‮ ‬عقد في‮ ‬لوكسمبرج بتاريخ‮ ‬1997‮/‬8‮/‬3،‮ ‬الساعة الرابعة مساء،‮ ‬كما هو مدون في‮ ‬المحضر‮. »‬أشار إلي‮ ‬أن الهدف الاستثماري‮ ‬للشركة هو تحقيق الاستثمارات في‮ ‬الأجل المتوسط والطويل‮. ‬نحو رأس المال من خلال توجيه الاستثمارات في‮ ‬أسهم الشركات المدرجة في‮ ‬البورصة المصرية‮. ‬ويهدف ذلك للاستفادة من التقييمات المنخفضة للاستفادة منها علي‮ ‬المدي‮ ‬القصير بتحقيق أرباح عالية متاحة حالياً‮ ‬في‮ ‬السوق المصري‮«.‬

إن هذا الأسلوب،‮ ‬لا‮ ‬يمكن له أن‮ ‬يتحقق إلا بمعرفة تامة بأسرار السوق،‮ ‬أتيحت لنجلي‮ ‬الرئيس السابق،‮ ‬لتحقيق أكبر قدر من الأرباح علي‮ ‬حساب نشاط البورصة‮. ‬واستفاد من ذلك إبراهيم كامل وآخرون،‮ ‬متورطون في‮ ‬الشبكة العنكبوتية التي‮ ‬خرجت في‮ ‬صورة شركات،‮ ‬من رحم إجراءات قانونية متقنة وقادرة علي‮ ‬الإفلات‮.‬

لم تتوقف مساهمات جمال وعلاء مبارك عند الأسلوب الغامض في‮ ‬شراء الشركات والأسهم،‮ ‬وإعادة استثمارها،‮ ‬بشراء المصانع والعقارات،‮ ‬فهناك مساهمات للشقيقين علاء وجمال في‮ »‬هيرمس‮« ‬المتخصصة في‮ ‬الاستثمارات المالية،‮ ‬والمتشعب نشاطها في‮ ‬أوروبا خاصة قبرص‮. ‬وكذلك‮ »‬هيرمس‮« ‬المصرية التي‮ ‬تدخل استثماراتها في‮ ‬أنشطة متعددة بداية من توريد الأغذية والخدمات الجوية،‮ ‬وليس نهاية بالدخول في‮ ‬صفقات البترول‮.‬

وللوصول إلي‮ ‬جوانب أخري‮ ‬من الحقيقة التي‮ ‬ظلت‮ ‬غامضة طيلة بقاء مبارك في‮ ‬الحكم،‮ ‬وتنامي نفوذ نجله الذي كان مثيراً‮ ‬للجدل،‮ ‬فهناك ضرورة تبدو مهمة للغاية،‮ ‬للبحث في‮ ‬تفاصيل قصة النشأة الاقتصادية لنجل الرئيس،‮ ‬والمقصود بها بداياته في‮ ‬البيزنس‮.‬

جمال الذي كان‮ ‬يتم إعداده لتولي عرش الحكم في‮ ‬مصر،‮ ‬كان قد أنهي علاقته بالعمل في‮ ‬بنك‮ »‬أوف أمريكا‮« ‬منذ عام‮ ‬1990،‮ ‬ومنذ ذلك التاريخ دخل جمال سوق المال،‮ ‬وكان كنزاً‮ ‬ثميناً‮ ‬للعديد من أصدقائه في‮ ‬أوروبا،‮ ‬وداخل مصر،‮ ‬فالجميع كان‮ ‬يتطلع لتوثيق العلاقة معه،‮ ‬فهي‮ ‬وحدها كافية لأن تفتح الخزائن داخل البنوك دون ضمانات وتحقيق أكبر قدر من المنافع‮.‬

أسس جمال شركة‮ »‬ميد إنفنست‮« ‬عام‮ ‬1996‮ ‬مع اثنين من أصدقائه،‮ ‬وكانت هي البداية في‮ ‬الانطلاق داخل أسواق المال والأعمال،‮ ‬كما أن الشركة كانت النواة الأولي التي‮ ‬زرعها نجل الرئيس في‮ ‬حقل الأعمال الذي لا حدود له فمن منشأته الأولي‮ ‬دخل مع صديقه‮ »‬وليد كابا‮« ‬مساهماً‮ ‬في الشركة اللغز‮ »‬بوليون‮«‬،‮ ‬التي‮ ‬توسع نشاطها علي‮ ‬خلفية دخول جمال مبارك صاحب العلاقات والاتصالات الدولية،‮ ‬من خلال سفرياته المتعددة إلي‮ ‬بعض الدول الكبري،‮ ‬والتي كان‮ ‬يحصل فيها علي موافقات بصفقات ضمنت له تعظيم ثرواته وأسهمه في‮ »‬بونيون‮«‬،‮ ‬كما أن الشركة ذاتها اتسع نشاطها بشراكة بقية أسرة مبارك الحاكمة في‮ ‬مصر،‮ ‬التي‮ ‬ارتبطت بدورها في‮ ‬شراكات أخري‮ ‬مع عدد من الأسر الحاكمة في‮ ‬دول الخليج،‮ ‬خاصة السعودية وقطر‮.‬

فدخلت‮ »‬بونيون‮« ‬كمساهم رئيسي في‮ ‬شركة‮ »‬ماك‮« ‬القطرية،‮ ‬العاملة في‮ ‬نشاط الاستثمار العقاري والمقاولات في عدد من الدول الخليجية والقاهرة ومدريد ولندن،‮ ‬وساهمت‮ »‬بونيون‮« ‬أيضاً‮ - ‬التي‮ ‬يشارك فيها جمال وعلاء مبارك‮ - ‬في‮ ‬شركات مصرية بأكواد سرية‮ ‬غير معلوم أصحابها مثل شركات منصور والمغربي وبالم هيلز بالإضافة إلي‮ ‬الكثير من المساهمات الأخري‮.‬

إن طريقة خروج تلك الأموال واستثمارها في‮ ‬شركات متداخلة،‮ ‬يفتح الباب علي‮ ‬مصراعيه بأن ما كان‮ ‬يجري في‮ ‬مصر ليس شأناً‮ ‬سياسياً،‮ ‬يحاول جمال صناعته ولكنه استثمار للوجود في‮ ‬دائرة صنع القرار لتحقيق الكثير من المآرب وتوسيع الأنشطة المتعددة،‮ ‬وإبعاد دخول عائداتها من الأموال إلي‮ ‬مصر‮.‬

لكن من أين لجمال وعلاء وبقية أسرة الرئيس السابق تلك المليارات المرعبة في‮ ‬أرقامها؟

قطعاً‮ ‬ستظل الإجابة تائهة إلي‮ ‬أن تتحرك الجهات الحكومية والقضائية للتحقيق والمبادرة بالمطالبة بإعادة هذه الأموال‮.‬

إن الوصول إلي‮ ‬تفاصيل الخريطة المتشابكة،‮ ‬وتحديد ملامحها بدقة،‮ ‬يحتاج لتدخل أجهزة مختصة بالتحري أو تكليف شركات تمارس هذا النشاط في‮ ‬البلدان الأوروبية،‮ ‬فما تحتويه الملفات من وقائع،‮ ‬دفعنا للبحث عن المزيد وإجراء اتصالات بالعديد من المصادر وثيقة الإطلاع علي‮ ‬ما‮ ‬يجري‮ ‬من أساليب في‮ ‬أسواق المال الغربية،‮ ‬خاصة دولتي اليونان وقبرص،‮ ‬وأفادت تلك المصادر بأن العمليات القذرة لتهريب الأموال،‮ ‬يحيط بها العديد من الأساليب المبتكرة،‮ ‬التي‮ ‬تتورط فيها شخصيات أخري‮ ‬غير علاء وجمال مبارك،‮ ‬هذه الشخصيات لها باع طويل في‮ ‬العلاقات مع العصابات الدولية المنظمة‮ »‬المافيا‮«‬،‮ ‬سواء عن طريق عقد صفقات تجارة السلاح والحصول علي‮ ‬العمولات الضخمة،‮ ‬وليس بالضرورة أن تكون تلك التجارة لصالح مصر،‮ ‬فربما تكون لصالح منظمات وجماعات انفصالية،‮ ‬فحصيلة أرقام هذا النوع من النشاط القذر بلغ‮ ‬أرقاماً‮ ‬ضخمة،‮ ‬واللجوء أحياناً‮ ‬لتلك العصابات بغرض تهريب الأموال والعملات الصعبة،‮ ‬يتم في‮ ‬الغالب بالحصول علي‮ ‬نسبة‮ ‬40٪‮ ‬من حجم المبالغ،‮ ‬أم أن هناك شخصيات أخري‮ ‬تلعب دوراً‮ ‬كنوع من المجاملات عن طريق العلاقات بحكومات معظمها عربية،‮ ‬يتيح فرصة دخول الأموال وإعادة تصديرها وتحويلها عن طريق البنوك وربما تكون حالة خروج هذه الأموال الخاصة بعدد من رجال البيزنس في‮ ‬مصر تنطبق عليها الحالة الأخيرة‮.‬

لكن في‮ ‬النهاية ليس أمامنا سوي القول‮.. ‬بأن مصر كانت محكومة من عصابة احترفت النهب واتبعت أساليب العصابات الدولية،‮ ‬في‮ ‬تهريب ما جري‮ ‬نهبه بصورة تبدو‮ ‬غامضة،‮ ‬لكن كل المؤشرات تذهب إلي‮ ‬أنها عمولات عن تخليص مصالح،‮ ‬أو إتاوات مفروضة علي‮ ‬رجال البيزنس في‮ ‬الأنشطة الثقيلة وهي‮ ‬جميعها أموال قذرة‮.‬


AHMED

ليست هناك تعليقات