مصطبة القبيلة
وكأن الصعيد عزبة أبيهم، اجتمع الفلول من نواب الصعيد القبليين في نجع حمادي، وفيما يشبه فرفطة الذبيح، قرروا فصل الصعيد عن مصر، وقطع التيار الكهربائي وخطوط السكة الحديد، وحشدوا معهم آخرين من نواب سيناء القبليين أيضاً، هكذا هم يعلنون عن ارتفاع صوتهم القبلي في القرن الواحد والعشرين، مهددين الأمن الوطني والسلام الاجتماعي؛ ليؤكدوا من جديد أنهم لا يخجلون، وأنهم بالفعل بلطجية، وأنهم ربائب نظام بلطجي حكم مصر أكثر من ثلاثين عاماً خلت.
وبدلا من مطالبة الناس بالمحافظة على أمن البلاد في هذه الفترة الانتقالية الحرجة ، وبدلا من العمل وفق الثقافة الثورية الجديدة والروح المصرية الجديدة التي تنسمت الحرية لأول مرة منذ عقود طويلة، وبدلا من مطالبة الحكومة بتنمية الصعيد ونقله إلى مشارف المدنية والحداثة ، وبدلا من نقل الفكر الإصلاحي والثوري إلى العقل الصعيدي، اجتمعوا كي ينقلوه إلى مشارف العصر الجاهلي.
ولنا أن نتساءل: ما الأمر الذي فيه يختلفان؟ .. أهو الحرمان من الترشح باعتبارهم من بقايا نظام سقط صنمه الأكبر؟ .. إذا كان الأمر كذلك فلنا أن نسألهم: ولماذا تريدون أن ترشحوا أنفسكم مرة أخرى أيها النوائب، لقد سبق لكم أن مثلتم دوائركم في البرلمانات السابقة.. ماذا فعلتم لمجتمعكم في صعيد مصر؟ قضيتم ما يزيد عن ثلاثين عاما في معية مبارك، وذهبتم وذهب مبارك والبلاء باقٍ، ولم يزل داءنا العياء والتخلف والجهل وتفشي الأمراض والبطالة وتردى الأخلاق والتعليم والخدمات ، وتوقف عجلة الإنتاج والتنمية وتفشي الرشاوى والفساد الذممي والإداري والمالي والسياسي والفتنة الطائفية واعتقال أصحاب الرأي، وكان من نصيب الصعيد استمرار نفيه وتجاهله ووأده تحت أطمار القبيلة والجهل والأمراض الوبائية مع استمر حرمانه من شربة ماء نظيفة.
لقد انتهى حكم المخلوع ، من دون أن يُبنى في صعيد مصر مصنع أو تُفتتح جامعة ، وقد تفشت القبضة الأمنية البوليسية في صعيد مصر لتمثل أقصى درجات العبودية وانتهاك حقوق الإنسان تحت نظركم وسمعكم ، ظل الصعيد معزولاً اقتصادياً وثقافياً وسياسياً تحت سمعكم وبصركم، لا مقر لحزب سياسي ولا مقر لصحيفة، ولا دار نشر، ولا وكالة أنباء ، ولا مركز تصدير أو استيراد واحداً ، لا شيء لا شيء غير وجوهكم الكالحة ، وفكركم القبلي المنغلق، لقد شُلت حياة الناس إلا من محصول قصب السكر الوحيد واليتيم في صعيد مصر المنزرع فوق مساحة تضيق عاماً بعد عام ، ماذا فعلتم في صعيد مصر وماذا قدمتم لمجتمعكم؟؟ ..
إن أكبر إنجاز يباهي به أكبركم في نجع حمادي أنه استطاع أن يتجول مع مبارك في نجع حمادي في سيارة مكشوفة!! .. أيها العار أين من يواريك، وأيها الخجل أين حمرتك؟! كل ما فعلتموه أنكم أزكيتم النعرة القبلية، وفتنتم الصعيد وفتتموه إلى قبائل وبطون وأفخاذ وأرباع وأخماس، ونمتم تحلمون بوهم الحياة التي ظلت خلف ظهوركم. وضربتم أشنع مثل على التخلف السياسي في صعيد مصر عندما كنتم تهادنون نظاماً فاسداً يقتل الوعي والثقافة والمدنية والتنمية في صعيد مصر، كل ما فعلتموه أنكم كنتم أداة فاسدة في يد نظام مستبد يقهر المواطن البسيط في صعيد مصر ويفرض عليه الضرائب على عدادات المياه والنور ( عادل لبيب نموذجاً) .
كل ما فعلتموه أنكم ساعدتم حزب "حبيب عز" على الإبقاء على الوجه القَبلي في صعيد مصر، من أجل ضمان الصناديق المقفلة الممتلئة بالباطل والغش والتزوير، والتي ساهمت في بقاء نظام مصاصي الدماء واستمراره في حكم مصر، كل ما فعلتموه أنكم قبضتم ثمناً بخساً لتخلفكم وجهلكم بالدور النيابي الصحيح، عندما رضيتم بفتات النظام الذي كان يَمُنُّ عليكم بمقعد الزور في مجلسي الشعب والشورى وبعض المقبولين من عيال القبيلة في كليات الشرطة والحربية وبعض عقود الوظائف لأفراد قبيلتكم، وكأن هذا هو المراد من رب العباد ، وكأن هذه هي حقوق الصعيد، وكأن هذا هو التقدم السياسي والاقتصادي والتنموي الثقافي المأمول في صعيد مصر!!.
لست أدرى لماذا لا تستحون في وقت يستوجب منكم الحياء، وقد سقط صنمكم الأكبر، وقد تغيرت ثقافة الشعب، ومعها ثقافة الصعيد، وقد توارت أمام أنظار العالم صورة الوجه القبيح لحزب مصاصي الدماء في مصر، سقط واندهست منظومته الخرافية الأمنية المتخلفة الغاشمة، وقد عرف العالم أن ها هنا شعب متحضر لا يرضى برجال دكتاتوريين أو مصاصي دماء أو قبليين متخلفين من أمثالكم.
كنت أتوقع أن تنجذبوا للروح الجديدة للشعب المصري، وأن تعبِّروا عن انتمائكم لهذا الشعب، وحركته الناهضة من تحت براثن التخلف الذي فرضه عليه نظامكم المتخلف. كنت أتوقع أن تفسحوا الطريق لنهضة جديدة يمثلها فكر جديد، وكنت أتوقع أن تنظروا إلى الصعيد كشعب كان من أوائل الشعوب التي صدرت الحضارة إلى العالم عندما كانت طيبة عاصمة مصر، وبدلا من أن تعيدوه إلى وجهه الحضاري أعلنتم عن رغبتكم في المحافظة عليه خارج نطاق العصر.
من المؤسف أنكم كنتم ممثلين للصعيد يوما ما ، ومن المؤسف أنكم تنظرون إلى الصعيد كما لو كانت عزبة أبائكم، ومن المؤسف أنكم من أبناء هذا الصعيد الذين يحملون العار إلى الصعيد ، من الواجب أن تنظروا إلى وضعكم الجديد باعتباركم منبوذين لا نواباً، أو باعتباركم نوائب هذا الشعب لا نوابه. Khfajy58@yahoo.com
Post Comment