حروف من ذهب 6


بقلم - مصطفى عرام : -
************
كنا قد ذكرنا أن للنحو مدرستين هما البصرة والكوفة، وأن علماء البصرة تفوقوا على علماء الكوفة في النحو وأموره ومصطلحاته، فيما برز علماء الكوفة في علم القراءات، وكما نعلم فإن لكل مدرسة أعلامًا، اشتهروا بإسهاماتهم في النحو، وصاروا من أعلامه، ولأن المدرسة المصرية في النحو تتبع مدرسة الكوفة؛ فإن ما يعنينا هم علماء مدرسة البصرة، بل إن منهم من لم ينل حظه من الشهرة رغم إسهاماته الكبيرة في النحو، وهم على الترتيب:  ـ أبو الأسود الدؤلي (69 هـ) ـ عبد الله بن أبي اسحاق (117 هـ) ـ أبو عمرو بن العلاء (150/154 هـ) ـ الخليل بن أحمد (160 هـ) ـ ابن هرمة (176 هـ) ـ معاذ الهراء (187 هـ) ـ سيبويه (188 هـ) ـ الأخفش الأوسط ( 207 هـ).

إن الأعلام السابق ذكرهم هم من تأسس على أيديهم علم النحو، الذي تواتر حتى وصل إلينا، وسنبدأ مع أبي الأسود الدؤلي؛ إن أهم ما يمكن أن يذكر عن أبي الأسود أنه ولد أيام النبوة، وأنه أخذ العربية عن علي بن أبي طالب، وأن علي بن أبي طالب.. طلب منه أن يضع شيئًا في النحو، فلما رأى علي بن أبي طالب ذلك قال له: ما أحسن هذا النحو الذي نحوت؛ فمن هنا سمي النحو نحوًا؛ وذات مرة.. سمع أبو الأسود قارئًا يقرأ القرآن ويخطئ فيه؛ فقال: ما ظننت أن أمر الناس قد صار إلى هذا، ثم قال للأمير زياد بن أبيه ـ إذ كان يعلم ابنه: ابغني كاتبا لقنا؛ فأتى به، فقال له أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف.. فانقط نقطه أعلاه، وإذا رأيتني قد ضممت فمي.. فانقط نقطه بين يدي الحرف، وإن كسرت.. فانقط نقطة تحت الحرف، فإذا اتبعت شيئا من ذلك غنة.. فاجعل مكان النقطة نقطتين.. نلاحظ إذًا أن النقط الذي وضعه أبو الأسود هو نقط الحركات، أي أن الحركات كانت في أول الأمر نقاطًا، ولم تكن بالشكل الذي نكتبها به الآن، وكان لون الحبر الذي تكتب به هذه النقاط مخالفًا للون الذي يكتب به القرآن.

رحم الله أبا الأسود الدؤلي، فهو غار على اللغة ولم يرض أن يسمع اللحن والخطأ يصيب اللغة العربية والقرآن الكريم ويقف صامتًا مكتوف، وأيًا كانت القصص الأخرى التي نسمعها في سبب وضعه لهذا النقط (الحركات)؛ فإنه يحسب له أن رسم لنا طريقًا نهتدي به في القراءة الصحيحة حتى الآن.    

حرف الزاي.. نعم.. اسمه حرف الزاي لا (زين)؛ فهي تسمية خطأ، وطبقًا لقاعدة أن كل حرف يبدأ بصوته، فهو بدأ بحرف الزاي.. لكن الحرفين الآخرين من اسمه قد لفتا نظري، وهما: الألف.. أول الحروف العربية، والياء آخر هذه الحروف، وهو حرف يخرج من طرف اللسان مع اللثة العلوية، وهو حرف مجهور رخو، ومن حروف الصفير، وصفة الصفير لا توجد صفة مضادة لها، هذه الحروف هي: ز ـ س ـ ص، ولولا صفة الصفير في الزاي لصارت ذالًا، وأيضًا لأصبحت السين ثاءً، وصوت الصفير في السين اقوى منه الزاي، وفي الزاي أقوى منه في الصاد، ومن أقوى الحروف التي تأتي قبله في الكلمة الواحدة حرف الراء، وبعده الراء والميم على السواء، وحرف الدال لا يأتي قبله، لكنه يأتي بعده.

بدأ بهذا الحرف أهم وأخطر المواد السامة.. زرنيخ، ثم زئبق، الذي يستدعي إلى الذاكرة الزئبق الأحمر، وهو صاحب شهرة في الحكايات ـ التي يمكن أن نقول عليها شعبية ـ في عالم الكشف عن الآثار حسب ما يتردد على أسماعنا، كذلك يبدأ به أهم الأصوات.. زئير.. يعني صوت الأسد، وبه يبدأ اسم زينب.. وهو نبات ينبت في صحراء السعودية.. وزيتون.. وزيت.. حسن الشكل طيب الرائحة، وبه تبدأ كلمة زينة.. التي نحرص عليها جميعًا لدرجة الـ زيف، ومن أهم الأفعال التي تبدأ به.. زلزل..و.. زكا الشيء طهره.. ومنه زكاة.. وللأسف به يبدأ فعل زنى.. حفظنا الله منه بالـ(زواج)، كذلك الفعل زهد.. وزاد الذي منه زياد و"قل ربي زدني علما".. ويمكنك أن تجلس على المقهى وتطلب واحد زنجبيل.. مش جنزبيل
AHMED

Post Comment