أخبارنا

ملك شهد عهده تكوين أول جيش نظامي في تاريخ مصر ..l حكايات عبد البصير 2



يواصل د.حسين عبد البصير مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية موضوعاته بالتعاون مع شبكة فكرتنا الإخبارية تحت عنوان"حكايات عبد البصير"،والتي نغوص فيها عبر التاريخ المصري القديم مع عدد من الملوك المصريين العظام والملكات،والذين لعبوا دورا مهما في تاريخ مصر،ونحكي اليوم قصة الملك بيبي الأول.

حكم الملك بيبي الأول في الأسرة السادسة قرب نهاية عصر الدولة القديمة. وقام بيبي الأول بانتهاج سياسة توسعية في النوبة وعمل على وصول وتأمين طرق التجارة إلى بلاد بعيدة عن مصر مثل لبنان والصومال.     

وفي عهده، تم تكوين أول جيش نظامي في مصر،ومن بين أشهر كبار رجال دولته الموظف الشهير وني الأكبر صاحب المقبرة الموجودة في أبيدوس في سوهاج. وتعد من أجمل السير الذاتية من عصر الدولة القديمة سيرة هذا الموظف، وني الأكبر، والتي كانت مكتوبة على أحد جدران مقبرته وتم نقله للعرض بالمتحف المصري.

ومن الجدير بالذكر أنه في عهد هذا الملك تعرضت الدلتا المصرية لغارات عديدة من البدو الموجودين على حدود مصر الشمالية الشرقية والتي أطلق عليهم النصوص المصرية "عامو حريو شع" أي "الأسيويين الموجودين على الرمال". ومن أجل صد هجماتهم التي لم تفلح الحاميات العسكرية القليلة العدد في هذه المناطق في التصدي لها، قام بيبي الأول بتكليف وني الأكبر بقيادة حملات عسكرية في بلاد الشام.

فتم القيام بتأسيس أول جيش نظامي مصري قوامه العديد من الآلاف من المجندين المصريين من جنوب مصر إلى شمالها، فضلاً عن عدد كبير من النوبيين والليبيين المواليين لمصر. ونجح وني الأكبر في قيادة هذا الجيش المصري النظامي الباسل والقضاء على هجمات البدو. ويفتخر وني الأكبر في نص سيرته الذاتية البديعة بتعيين جلالة الملك بيبي الأول له كي يقود هذا الجيش المكون من الآلاف من جنود مصر البواسل، خير أجناد الأرض، من صعيد مصر ودلتاها. وتم الانتصار على هؤلاء البدو بنجاح كبير.

غير أن أهم ما جاء في نص سيرة وني الأكبر الذاتية أنه تصرف هو وجنوده وفقًا لمعايير الأخلاق المصرية العريقة، فلم يتشاجر أحد من جنوده مع غيره، ولم يقم أي جندي بسرقة أي خبز من أية مدينة من أرض هؤلاء البدو المعاديين لمصر المتحضرة، ولم يستول أي جندي مصري من أبناء مصر العظيمة على شاة واحدة. وكان بين ما أهم أكد عليه وني الأكبر ضمن سطور سيرته الذاتية الممتعة أن جيش مصر الباسل عاد منتصرًا إلى أرض مصر المباركة، وأن الجيش المصري عاد في سلام بعد أن فتك بهؤلاء البدو الذين كانوا يغيرون على حدود مصر الشمالية الشرقية، بوابة مصر الشرقية عبر العصور، وبعد أن دمر حصونهم، وبعد أن أضمر النار في أرضهم، وبعد أن قتل الآلاف من جندهم، وبعد أن أسر الآلاف منهم.
كل هذا يدل على عظم قوة وبسالة المقاتل المصري ومدى تحضر الجيش المصري واتباعه للآداب والسلوكيات التي أقرها العالم بعد ذلك من خلال رفض الاعتداء على المدنيين وسرقة أو نهب أي شيء من أرض العدو، وكذلك حسن معاملة الأسرى،وهذه هي مصر العظيمة تؤِّسس أول جيش نظامي في التاريخ وتضع قوانين وسلوكيات وآداب التعامل مع العدو وأرضه وقت الحرب.

علاء الدين ظاهر
AHMED

ليست هناك تعليقات