أخبارنا

ملكة ماتت دون أن تترك وريثًا وكانت نهايتها غامضة ..l حكايات عبد البصير 6


كشف د.حسين عبد البصير مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية حكاية الملكة سوبك نفرو،وذلك ضمن موضوعاته بالتعاون مع شبكة فكرتنا الإخبارية تحت عنوان"حكايات عبد البصير"،والتي نغوص فيها عبر التاريخ المصري القديم مع عدد من الملوك المصريين العظام والملكات،والذين لعبوا دورا مهما في تاريخ مصر.

وقال:يبقي للمرأة المصرية السبق والإبداع والتميز في مجالات عدة. وكان حكم البلاد بانفراد من بينها. وكان إسهامها في ذلك لا يقل عن إسهام نصفها الآخر الرجل المصري القديم. ولولا المرأة المصرية القديمة، ما قامت الحضارة المصرية القديمة؛ فالمرأة المصرية هي رمانة الميزان ومركز الدفع والتحفيز على العمل والإبداع وشحذ الهمم والطاقات لدى رجال مصر العظام. وفي هذا ما يوضح سبق مصر الحضاري على غيرها من الحضارات من خلال عظمة المرأة المصرية التي لولاها ما كانت مصر.

وتعتبر الملكة سوبك نفرو (أو "نفرو سوبك" لدى علماء المصريات الأوائل) واحدة من أهم ملكات مصر القديمة. وكان وجودها مؤثرًا ودورها محوريًا وقصة حياتها وأعمالها خالدة على وجه الزمن،وكانت الأسرة الثانية عشرة تؤمن غالبًا بأحقية ومشروعية المرأة في حكم البلاد. فنرى الملك أمنمحات الثالث يفضل ابنته الكبرى الأميرة "بتاح نفرو" (أو نفرو بتاح) لخلافته على العرش. غير أنه تأتي عادة الرياح بما لاتشتهي السفن؛ فتموت تلك الأميرة في سن مبكرة.

 ثم يذهب الحكم إلى الملك أمنمحات الرابع. ويتوفى أمنمحات الرابع بعد فترة حكم قصيرة دون ولي عهد ذكر. وربما كان هذا الملك هو الأخ غير الشقيق أو زوج سوبك نفرو. وبعده حكمت الملكة سوبك نفرو، ابنة الملك أمنمحات الثالث، أربع سنوات. وأصبحت غالبًا سوبك نفرو أول ملكة تحكم منفردة. وأطلقت عليها المصادر المصرية القديمة لقب "ملك" (نسو) في صيغته الذكورية، متغاضية عن كونها ملكة، و"ابنة الملك"، وليس "أخت الملك"، مما يوضح ميلها للارتباط بأبيها.

 واتخذت الملكة خليطًا من الألقاب الذكورية والأنثوية التي تعبر فيها عن طبيعتها. فنراها تأخذ اسم العرش "سوبك كارع"، والاسم الحوري، "ميريت رع" (محبوبة رع)، الذي يربطها بالإله حورس الممثل الأبديللملكية المصرية المقدسة،وتم اكتشاف عدد قليل من آثارها. وكان من بينها ثلاثة من التماثيل النصفية المفقودة الرأس، أهمها في متحف اللوفر في باريس، مما قد يشير إلى تعرض تماثيلها، وربما آثارها، للاعتداء. ولا ندري السبب وراء تدمير آثارها.

 وتظهرها تماثيلها المكسورة بملامح وملابس أنثوية، أغلب الظن، وفي أوضاع الملوك؛ فنراها تطأ بقدميها أعداء مصر التقليديين، مقلدة ملوك مصر، منذ الملك حورعحا (مينا)، في المظهر والزي والفعل كي يتم قبولها في أعين الشعب ولدى الآلهة. واستخدمت أيضًا الألقاب النسائية. ومن خلال زيها، حاولت التعبير عن ذاتها كي تتحول من ملكة إلى ملك في أعين الجميع، وحتى تظهر بالشكل المثالي الذي يجب أن تُصور به، ليس كملكة حية بل، كملكة في العالم الآخر. 

واهتمت الملكة بهرم أبيها أمنمحات الثالث ومجموعته الجنائزية الخاصة في منطقة هوارة في الفيوم، وقامت بالعديد من الإضافات لها، والتي أطلق عليها هيرودوت "اللابيرنث" (التيه)؛ نظرًا لكبر المبنى وتعدد حجراته وممراته والتيه لمن يدخله. وارتبطت أعمالها الأثرية والمعمارية بوالدها. وكشف عن بعض القطع الأثرية التي تحمل اسمها بالقرب من هرم أبيها. وربما قامت بتأليه أبيها كإله منطقة الفيوم كي تعطي لنفسها الشرعية والمصداقية لحكم البلاد باعتبارها ابنة الإله. وكانت لها أنشطتها في منطقة النوبة في قلعة قمنة حيث تم تسجيل ارتفاع فيضان نهر النيل في العالم الثالث من حكمها. وفي هذا ما يدل على أن هذه الملكة حكمت أرضها مصر شمالاً وجنوبًا إلى النوبة، وأنها كانت مسيطرة على أملاك الإمبراطورية المصرية في الداخل والخارج، وأنها نجحت في ذلك مثل أسلافها من الملوك حكام الأسرة الثانية عشرة.

 ولا يُعرف مكان مقبرتها بشكل مؤكد، إلى الآن، غير أنه يُعتقد أنها ربما قد تكون دُفنت في هرم مزغونة الشمالي في الجيزة، على الرغم من أن هذا الهرم يخلو من أية كتابات قد تعرفنا بهوية صاحبه. وإلى الشمال من مجموعة شبيهة ترجع إلى أمنمحات الرابع، يوجد مكان يعرف باسم "سخم نفرو"، ربما كان هذا هو المكان الذي كان به هرم سوبك نفرو،وماتت دون أن تترك وريثًا وتعد نهايتها غامضة، غير أنه ليس هناك ما يشير إلى أنها ماتت ميتة غير طبيعية. وانتهت بنهايتها الأسرة الثانية عشرة ومجد عصر الدولة الوسطى التي استمرت قليلاً بعد ذلك، لكن في قمة الضعف، قبل أن تنحدر مصر في ظلمات عصر الانتقال الثاني والاحتلال الهكسوسي البغيض لأرض مصر الطيبة.

علاء الدين ظاهر
AHMED

Post Comment