أخبارنا

من النوبة حتي سيناء .. حماية مصر وحدودها مهمة الملوك عبر التاريخ ضد الغزاة والأعداء .. I مكي كمت



علي مر التاريخ ظلت مصر عصية علي كثيرين حاولوا اضعافها وانهاك قواها خاصة على الأطراف"الحدود"، وهي سياسة قديمة لأعداء مصر عبر العصور،ولعل ما يحدث في سيناء شاهد علي غباء الأعداء الذين لم يعوا دروس التاريخ جيداً،فمصر بأبنائها شامخة قادرة علي صد أي إعتداء،ولن يقهرها إرهاب طالما فيها أبناء صامدون يحمونها في الداخل وعلي الحدود.

جابر عمر الأثري والباحث المتخصص في الأثار المصرية القديمة وعمل سابقا في منطقة أثار الهرم كشف أنه كانت أطراف المحروسة وحدودها هى الهاجس الأكبر لحكامها وشعبها على حد سواء،و منذ أقدم العصور فأهم وظائف الحاكم التى ينتظرها منه شعب مصر كانت الحماية، ومن أحب الألقاب الى الملوك كان لقب (مكى كمت) أو حامى مصر.

ولعل الحديث هنا سيقتصر على اكثر الفترات قدما لايضاح مدى اهمية وقدم حب هذه الارض وحمايتها لدى اهلها. تعد السياسة والإجراءات التى نفذها المصريون القدماء لحماية حدودهم والسيطرة عليها فى نظر الدارسين هى الأكثر تنظيما وصرامة عبر التاريخ.

فاذا نظرنا الى المدى الذى وصلت اليه هذه السياسة فى عصر الإمبراطورية المصرية بعد تطور كبير من الدولتين القديمة والوسطى، لوجدنا أن السلطات المصرية قد وضعت قوتها الضاربة وحصونها الحدودية عند بوابات رئيسية في وادي النيل،في ممرات ضيقة يمكن من خلالها مراقبة تدفق الأشخاص والممتلكات عبر الحدود وتسجيلها تسجيلا دقيقًا فى الصحراء الشرقية والغربية، وكذلك الحدود الطبيعية الأخرى كالبحر الأبيض المتوسط ومناطق الجنادل أو الشلالات فى الجنوب.

 فقد تم تحديد نقاط الدخول إلى وادي النيل ومراقبتها دائمًا والسيطرة عليها بدقة، تلك الدقة التى فاقت فى تنفيذها في الواقع أكثر مما تستطيع الحكومات الحالية للعديد من الدول الكبرى تنفيذه وإدارته فى رأى الباحثين، ووصل الأمر الى التحطم وغلاق مدخل النهر من الشمال بحصن البحر العظيم، والتحكم فى الوديان كوادي الطميلات، ووادي الحمامات، ومداخل الشلال الأول في النوبة والحدود فى الحافة الغربية للدلتا المؤدى الى الحدود مع ليبيا.

 ولكن ماذا عن الأماكن المفتوحة فهل تركها المصريون لظروف الطبيعة؟ لا فقد اشارت النصوص الى ان التشكيلات المرتبطة بالحصون الحدودية احتوت على كوادر كاملة من الكتبة والإداريين والجنود والعربات والكشافة الذين كانو يجوبون الصحراء لتمشيطها، وكانوا أصحاب مهارة فى الوصول إلى المسارات والدروب الصحراوية.

 فمن المعروف أن الفارين والمتسليين يميلون دائما إلى الإبتعاد والهروب من الحصون ليلا أو نهارا، وقد أثبتت النصوص أن جميع الأفراد الذين كانوا يعبرون الحدود وكذلك البضائع والشحنات كان تسجيلهم يتم على أكمل وجه. تمعت هذه الحصون بالضخامة والتمدد فى انتقال من مكان إلى آخر حسب ما اقتضته الحاجة إلى تامين الحدود وجعل خطوط الدفاع خارج نطاق الاراضى المصرية حتى تكون حدود مصر أمنة تماما فى استراتيجية حرص عليها كل ملك تلو الاخر متفاخرا  بمد سيطرة مصر اكثرمن أى ملك مضى.

يقودنا هذا إلى الدافع وراء حرص المصريين على هذه الاستراتيجية، فلطالما كان العدو مهما تغير واختلف مسماه وموقعه ولونه وغرضه على وعى تام باهمية الحدود لدى بلد يقود الحضارة فأصروا عبر الزمن على التنغيص على المصريين بمحاولة انهاك متعمدة للقوات المتمركزة فيها شمالا او غربا وشرقا وجنوبا،فعلى هذه الأطراف كانت بوابات النظام والماعت التى حافظ عليها المصرى ضد قوى الفوضى.

 وكان العدو يرغب فى اقتناص أى فرصة للنيل منها أو ان يجد فيها مستقرا، ويحضرنا هنا بعض من هذه الأحداث التى سجلت كفاح رجال مصر آنذاك فى الزود عنها، ففى الدولة القديمة سجلت مصادرها مراحل دفعهم لعدو اتحد تحت رايات عدة لقبائل ومشيخات فى الجنوب حاولوا النيل من السيادة المصرية على منطقة النوبة المصرية.

 ومن الجدير بالذكر أن مثل هذه التحركات على الأطراف كثيرا ما تزامنت مع ملمحين هامين هما تزامن نفس التحرشات والتحركات التى تميزت بالكر والفر مع قريناتها فى مكان أو اماكن اخرى كالصحراء الغربية أو الشمال الشرقى فى حين آخر، وتميزت بعض الهجمات بالشراسة أن دفع رجال النقاط الحدودية خاصة المنعزلة حياتهم وصلت الى حد المباغتة واحداث المذابح وحرق الاماكن بمن فيها، كما حدث فى سيناء فى الدولة القديمة.

والملمح الآخر هو استغلال حالات الإنشغال الداخلى فى مصر وفترات انتقال الحكم، ولعل ما سجلته لوحات الملك كامس الذى قاد حرب التحرير ضد الهكسوس فى مرحلة فاصلة وكيف اتفق هذا العدو مع رفيقه  فى أقصى الجنوب على الهجوم من هذه الجبهة متزامنا مع حرب الشمال واستغلال الجهة الغربية فى تيسير وصول رسل الأعداء الذين قبض عليهم وعرف محتوى اتفاق ضمنى على انهاك المصريين على اكثر من جبهة فى الأطراف.

وهذا عبرت عنه نصوص احدى لوحات كامس بصيغة شيقة واضحة متحدثة عن هؤلاء الذين يريدون مشاركته حكم مصر فى اشارة جلية الى نظرة المصريين الى حدودهم فى اقصى الشمال الشرقى واقصى الجنوب انها جزء لا يتجزأ من أرض مصر، ويتكرر الأمر مرة أخرى مع أخيه أحمس الذى اتم عملية التحرير فيستغل انشغاله بحروب الشمال وتهاجم الأطراف الجنوبية مرة أخرى ما جعل تامين الجبهة الجنوبية تامينا نهائيا لطهرهم باختراق عمق الجنوب وضمان امنه حتى يتفرغ لعدو اشرس فى الشمال دحره احمس بإصرار وجلد.

 ونفذ بعده الملوك السياسة التى ذكرت من قبل والاستراتيجية الإستباقية فى جعل خطوط الدفاع خارج مصر ليس فقط بالاعمال العسكرية ولكن أيضا صاحبتها القوة الناعمة، وما ان استقرت الامور لبضع مئات من السنين ويعيد التاريخ نفسه فى عهد الرعامسة على وجه الخصوص معاناة الملك مرنبتاح الذى اتفقت فى عهده قوى الاعداء فى الأطراف لإنهاك جيش الإمبراطورية مرة أخرى جعلته يتخذ اجراءات أكثر صرامة مع الأعداء، وعانى رمسيس الثالث وجيشه نفس المعاناة المقدرة التى لا تطول السنون إلا وتعيد نفسها، أما ما قام به المصريون لضمان أمن الأطراف الأبية فهو خليط من الأستراتيجية العسكرية والتغيير الديموغرافى والثقافى الذى أثبت نجاعته آنذاك لمئات السنين...فهلا نقرأ دروس التاريخ؟

علاء الدين ظاهر
AHMED

ليست هناك تعليقات