المجد حولي ذل بدونك ولا أحب سواك .. حكاية أمير رفض عرش مصر من أجل الحب.. I قصة واقعية يرويها متخصص
"أيتها الحلم ما أتعسني بعيدا عنك . القصر الذي أعيش فيه أشد وحشة من كوخ صغير . المجد الذي حولي هو ذل و هوان بدونك . إنني أكره كل شئ حولي لأنني لا أحب سواك"..هذا ليس مقطعا من رواية رومانسية مشهورة،لكنها كلمات تنازل بها عن عرش مصر الأمير كمال الدين حسين ابن السلطان حسين كامل ( 1874- 1932م) والأميرة عين الحياة ابنة الأمير أحمد رفعت باشا اخو الخديوي اسماعيل وابن ابراهيم باشا .
القصة كشفها لنا الدكتور ولاء الدين بدوي مدير عام متحف قصر المنيل ومن أبرز المتخصصين في أثار تاريخ العصر الحديث،حيث قال:ظل الأمير كمال الدين حسين يلقب بصاحب السمو حتى سنة 1922م ، وهى السنة التى اعلن فيها عن استقلال مصر وأتخذ السلطان فؤاد لقب ملك مصر،وصدر قانون ملكى يمنح لقب " صاحب السمو السلطانى" لأنجال السلطان حسين فأصبح الأمير كمال الدين حسين يلقب بصاحب السمو السلطانى . وتزوج الأمير كمال الدين حسين من الأميرة نعمت الله توفيق ابنة الخديوي توفيق ، ولم يرزق منها بأطفال.
وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولي في 28 يوليو 1914 م و أعلن الإنجليز الحماية البريطانية علي مصر،تم عزل الخديوي عباس حلمي الثاني و تنصيب حسين كامل سلطانا علي مصر،عندما عرض السلطان حسين كامل ولاية العهد و وراثة العرش علي ابنه الأمير كمال الدين حسين كان هذا رده:قد تفضلتم عظمتكم فأعربتم لي عن رغبتكم في أن تكون وراثة عرش السلطنة المصرية منحصرة في الأكبر من الأبناء ثم من بعده لأكبر أبنائه و هكذا علي الترتيب . و إني لأذكر لعظمتكم هذه المنة الكبري لما في هذه الرغبة من التشريف لي . علي أني مع إخلاصي التام لشخصكم الكريم و حكمكم الجليل مقتنع كل الاقتناع بأن بقائي علي حالتي الآن يمكنني من خدمة بلادي بأكثر مما يمكن أن أخدمها به في حالة أخري . لذلك أرجو من حسن تعطفاتكم أن تأذنوا لي بالتنازل عن كل حق أو صفة أو دعوي من الممكن أن أتمسك به في إرث عرش السلطنة المصرية بصفتي ابنكم الوحيد . و إني بهذه الصفة أقرر الآن تنازلي عن كل ذلك".
ومضت السنون بالأمير الزاهد في حكم مصر إلي أن دخل مستشفي ( الأنجلو أمريكان ) بالقاهرة و كان في حالة صحية متدهورة وأصر الأطباء علي بتر احدي قدميه حيث كان مصابا بجلطة خطيرة في قدمه و لكن الأمير طلب تأجيل العملية إلي حين يكتب وصيته التي أوصي فيها بقصره لزوجته"نعمة الله "صغري بنات الخديوي توفيق و التي توفيت عام 1955 "،و بعد إجراء العملية و قبل أن يتماثل للشفاء أصر علي السفر إلي فرنسا رغم رفض الأطباء و سافر ضاربا بكل النصائح الطبية عرض الحائط و توفي في تولوز بفرنسا في 6 أغسطس 1932 بعد حوالي 4 شهور من إجراء العملية عن عمر يناهز 58 عاما . وكانت رغبة الأمير كمال الدين الوحيدة أن يدفن في قبو بنيت خصيصا له في تلال المقطم بالقرب من سكن الدراويش.
وبعد وفاته بدأ يتكشف سر تنازله عن العرش حين أرسلت السيدة الفرنسية ( فيال ديمينيه ) تلغرافا إلي الملك فؤاد الأول تخبره أنها زوجة الامير كمال الدين حسين و أنها أنجبت منه ابناً و تبحث عن ميراثها هي و ابنها . وكان الملك فؤاد الأول قد ورث مليون جنيه عن الأمير كمال الدين حسين حيث أن الأمير كمال الدين حسين لم ينجب من زوجته الأولي ( نعمة الله ) . كما جاء المحامي الفرنسي موكلا عن الزوجة الفرنسية مدام ( فيال ديمنييه ) ، وطلب مقابلة الملك فؤاد الأول و أخبره بزواج الأمير كمال الدين حسين من حبيبته الفرنسية مدام ( فيال ديمنييه ) في 5 مايو 1924 م و أنها تعتبر الوريثة الوحيدة له بعد أن أنجبت منه ابنا .
ورفض الملك فؤاد الأول الاعتراف بالزواج و أخبر المحامي الفرنسي أنه لا يعترف إلا بالزواج الذي يقره مجلس البلاط الملكي وأي زواج سري لا قيمة له . و لكن المحامي الفرنسي لم يستسلم لما قاله الملك فؤاد الأول و قرر اللجوء للمحاكم المختلطة بالإسكندرية ليطالب بميراث زوجة كمال الدين حسين التي تزوجها في فرنسا و كانت المفاجأة حين تقدم المحامي بالخطابات الغرامية التي أرسلها الأمير المصري إلي حبيبته الفرنسية و التي يؤكد فيها أنه تنازل عن العرش من أجلها .
وكان الخطاب الأول في 3 أبريل عام 1915 و كتب يقول:"أيتها الحلم ما أتعسني بعيدا عنك . القصر الذي أعيش فيه أشد وحشة من كوخ صغير . المجد الذي حولي هو ذل و هوان بدونك . إنني أكره كل شئ حولي لأنني لا أحب سواك . إن والدي السلطان حسين كامل عرض علي اليوم أن أكون ولي عهده . أي سخافة تلك . إن معني ذلك أن افتقدك و لا أستطيع أن ألقاك كما أشاء و أين أشاء؛ و حين قلت له ( لا)؛ ذهل و لم يفهم لأنه لا أحد في الدنيا يمكنه أن يتخيل أن حبك عندي هو حلمي الوحيد في الحياة . حتي إنني بين ذراعيك أنسي أنني أمير و أشعر أنني عبد . أريد أن تنتهي الأزمة بيني و بين أبي لأحضر إليك خصيصا لأعانقك".
وتوالي نشر الخطابات الغرامية التي أوضحت أن أسباب تنازل الأمير كمال الدين حسين عن عرش مصر كانت رومانسية بحتة . فقد نسج الحب خيوطه بين الأمير و محبوبته الفرنسية و فسرت الخطابات أيضا سر تهديده لوالده بالانتحار وإطلاق الرصاص علي نفسه وسر سفره المفاجئ إلي فرنسا عقب انتهاء الحرب العالمية الأولي . و في النهاية لا أعرف علي وجه اليقين الحكم الذي توصلت له المحاكم المختلطة في ذلك الوقت فيما يتعلق بميراث (مدام فيال ديمنييه) الزوجة الفرنسية للأمير العاشق كمال الدين حسين
ولم تتوافر أي معلومات عن ابنه الذي ربما يكون مازال حيا يرزق في فرنسا . الجدير بالذكر أن حالة الزهد التي انتابت الأمير كمال الدين حسين يبدو أنها انتقلت لزوجته الأولي الأميرة نعمة الله التي عاشت حياة زهد و تقشف اثناء اقامتها في القصر الذي أوصي لها به الأمير الزاهد ويرجع ذلك لاهتماماتها الصوفية وحياة التأمل والزهد حتي أنها قررت الانتقال لمبنى صغير مجاور للقصر وأهدت قصرها (الكائن فى ميدان التحرير امام جامعة الدو ل العربية حاليا) إلى وزارة الخارجية المصرية في العام 1930
علاء الدين ظاهر
Post Comment