أخبارنا

ملكة حمت عرش إبنها وحكمت مصر منفردة قبل ألاف السنين..l حكايات عبد البصير7





تعتبر الملكة ميريت نيت من أهم ملكات عصر الأسرة الأولى،ويعني اسمها "محبوبة نيت"،وهي الملكة الوحيدة التي عُثر لها على مقبرة في جبانة أم الجعاب في أبيدوس الخاصة بملوك العصر المبكر مما جعل العلماء يعتقدون أنها حكمت مصر منفردة.

ما سبق جزء بسيط من حكاية هذه الملكة العظيمة،والتي كشفها لنا د.حسين عبد البصير مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية،وذلك ضمن موضوعاته بالتعاون مع شبكة فكرتنا الإخبارية،ونغوص فيها عبر التاريخ المصري القديم مع عدد من الملوك المصريين العظام والملكات،والذين لعبوا دورا مهما في تاريخ مصر.

وقال:تركت الملكة عددًا من الآثار تربطها بالملوك چر وچت ودِن. ومن بين هذه الآثار طبعات الأختام وبعض الأواني المنقوشة،وكان من اللافت للنظر والمثير للدهشة حقًا أن الأختام المستخرجة من مقبرة الملكة لم تحمل اسمها، بل اسم الملك دِن، مما أثار حيرتنا،غير أن القدر لم يشأ أن يصدمنا كلية وجعلنا نعثر على ختم قادم من سقارة من المقبرة رقم 3503 يحمل اسم الملكة اللغز،ولكن هذه المرة داخل السرخ الملكي Royal Serekh (واجهة القصر الملكي) الذي كانت تُكتب فيه اسماء الملوك.

 مما جعلنا نعتقد أنها حكمت مصر في ذلك العصر المبكر من تاريخ مصر مما يدل على عظمة الشخصية المصرية ومدى تحررها وانفتاحها والسماح للملكات بأن يعتلين عرش مصر العظيم مثلهن مثل الرجال في هذا الأمر الذي يرتبط بتقاليد مصر المقدسة في حكم أرض الإله المباركة.

ومن اللافت للنظر هو عدم وجود اسم الملكة ميريت نيت في القوائم الملكية التي كتبها أهل مصر الأقدمين تسجيلاً لتاريخ بلادهم المجيد واحتفاء بإنجازات ملوكهم السابقين وربما كان اسم الملكة مكتوبًا في ذلك الجزء المكسور من حجر باليرمو المحفوظ في المتحف الأثري المحلي في هذه المدينة الإيطالية الشهيرة والذي يسجل أسماء ملوك مصر القديمة الأوائل حتي الفترة المبكرة من عصر الأسرة الخامسة التي كُتب في عهدها ذلك الحجر.

ومن المرجح أن الملكة ميريت نيت كانت ابنة الملك چر ثم تزوجت من الملك چت الذي حكم مصر فترة زمنية قصيرة ومات فجأة، ونظرًا لتلك الظروف العصبية التي مرت بها مصر، تم تكليف الملكة الأم بحكم البلاد نيابة عن ابنها، الملك الطفل، الملك دِن، وتعد هذه الواقعة التاريخية من أوائل الحوادث في هذا السياق، وأعني تولي الملكات الأمهات حكم البلاد نيابة ووصاية عن أبنائهن من الأطفال الرضع أو الأطفال الصغار.

وكانت هذه الحادثة التاريخية هي التي ربما دفعت بعض كتاب القوائم الملكية في الفترات اللاحقة إلى تجاهل حكم هذه الملكة واسقاط اسمها من قوائمهم؛ وذلك نتيجة لهذا الحدث التاريخي، أو بناء على قناعاتهم الشخصية بأهمية دور النساء في الحفاظ على عرش البلاد لأبنائهن حتى يبلغوا سن الرشد والحكم كما فعلت الربة إيزيس مع ابنها، المعبود حورس، أو إيمانًا منهم بعدم أحقية الملكات من النساء في حكم البلاد، وتفضيل حكم الملوك من الذكور كممثلين للإله الذكر حورس ابن أوزيريس وإيزيس في حكم مصر.

وقد تردد العالم الحديث في اتباع نظام وصاية النساء على العروش. وتم اتباعه في مصر القديمة؛ نظرًا لأن الأم هي الشخص الأكثر ولاءً ووفاءً وإخلاصًا لابنها الملك الطفل؛ فضلاً عن كونها تنتمي بالدم للعائلة المالكة، وأيضًا كانت متدربة على تحمل مسؤولياتها التاريخية والدفاع عن ابنها الطفل حتى يشب عن الطوق. وكانت الأمهات، وليس الآباء أو الأخوة، اللائي يقومن بهذا الدور المجيد حين يرحل الزوج فجأة.غير أنه كان هناك بعض الأوصياء الرجال، لكن في حالات قليلة جدًا.

ولعل ما يؤكد هذا السيناريو هو طول حكم فترة الملك دِن بشكل كبير مما جعله يحتفل مرتين بعيد "سد"، أي عيد جلوس الملك على عرش مصر والذي كان يتم الاحتفال به كل ثلاثين عامًا، مما يعني أن هذا الملك ربما يكون قد حكم البلاد لمدة ستين عامًا، غير أنه لم يلتزم الملوك بانقضاء مدة الثلاثين عامًا، بدليل أن هذا الملك حكم مصر حوالي 42 عامًا فقط. ونظرًا لأن هذه الملكة حكمت البلاد كملك معاصر لحكم ابنها، الملك دِن، فقد تم السماح لها بتشييد مقبرة ملكية، تكريمًا وتقديرًا لها، بين ملوك مصر الخالدين من حكام مصر في ذلك العصر.

وسوف تظل ذكرى الملك ميريت نيت خالدة في أذهان المصريين؛ نظرًا لعظم الدور الذي قامت بها حفاظًا على حكم مصر وعرش ابنها الملك الطفل في ذلك التاريخ المبكر من عمر مصر الخالد والعالم، مبتدعة سنة حسنة سوف يسير عليها العالم كله بعد ذلك وتصبح من أدبيات وآليات انتقال الحكم في دنيا الحكم والسياسة. هذه جدتكم الخالدة، الملكة ميريت نيت العظيمة؛ لذا كان من حقها أن تُخلد بدفنها، وأن تكون الملكة الوحيدة، في مقابر أبيدوس الملكية بين ملوك مصر الخالدين.  

علاء الدين ظاهر

AHMED

ليست هناك تعليقات