أخبارنا

ملكة مناضلة عاصرت كل مراحل تحرير مصر من احتلال الهكسوس .l حكايات عبد البصير 8



واصل د.حسين عبد البصير مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية موضوعاته بالتعاون مع شبكة فكرتنا الإخبارية،ونغوص فيها عبر التاريخ المصري القديم مع عدد من الملوك المصريين العظام والملكات،والذين لعبوا دورا مهما في تاريخ مصر،ومنهم الملكة تتي شيري.

يقول عبد البصير:انتهى عصر الدولة الوسطى الذهبي، وسقطت مصر في هوة وفوضى عصر الانتقال الثاني الذي عانت فيه البلاد بشدة من ضراوة احتلال الهكسوس ("حكام البلاد الأجنبية"، كما أطلقت عليهم النصوص المصرية القديمة) الذين احتلوا الدلتا المصرية وجزءً كبيرًا من شمال مصر، بينما حافظت أسرة مصرية وطنية على حكم البلاد في العاصمة المصرية العريقة طيبة (الأقصر الحالية). واحتل الهكسوس مصر لمدة تقرب من مائة عام. ولم تهدأ مصر ولا أبطالها من ملوك التحرير القادمين من أقصى الصعيد المصري للدفاع عن الأرض المصرية وتحريرها من احتلال الهكسوس البغيض الذي أذاق البلاد الأمرين،ويذكر التاريخ أن كفاح مصر ضد حكم الهكسوس اشتد مع عصر الأسرة السابعة عشرة.

ومن بين ملكات ذلك العصر الفاصل في التاريخ المصري القديم، الملكة المناضلة تتي شيري، ويعني اسمها "تتي الصغيرة". وكانت الملكة تتي شيري من أهم ملكات الأسرة السابعة عشرة وعصر الانتقال الثاني. وكانت زوجة للملك ست نخت إن رع تاعا الأول الذي كان ابنًا للملك سوبك إم ساف الثاني. واختارها الملك ست نخت إن رع تاعا الأول كي تكون زوجته الكبرى، على الرغم من أنها لم تكن تنتمي للدم الملكي؛ فقد كانت ابنة شخص عادي يدعي تشننا وزوجته نفرو. وحكم زوجها فترة قصيرة. وأنجبت منه ابنها الملك سقنن رع تاعا الثاني وابنتها إياح حتب، وربما الأمير كامس.

وحملت ألقابًا مهمة مثل "زوجة الملك الكبرى"، و"أم الملك". وتزوج سقنن رع تاعا الثاني وإياح حتب وأنجبا الأمير أحمس الذي سوف يصبح ملكًا على مصر، ويحمل لقب الملك أحمس الأول، ملك مصر العليا والسفلى، ويحرر مصر من الهكسوس ويطاردهم إلى خارج الحدود المصرية إلى جنوب فلسطين، ويؤسس الأسرة الثامنة عشرة وعصر الدولة الحديثة، أو عصر الإمبراطورية كما يعرف في أدبيات علم المصريات، حين أسست مصر إمبراطورية امتدت من نهر الفرات والبحر المتوسط إلى الشمال الشرقي، وإلى أعماق السودان جنوبًا، وإلى ليبيا غربًا، وصارت مصر سيدة العالم القديم وحكمت العالم القديم كله بالعلم والحق والعدل والدين القويم.

ومن الجدير بالذكر أن الملكة تتي شيري عاشت عمرًا مديدًا، وعاصرت كل مراحل تحرير مصر من احتلال الهكسوس، وعايشت كفاح ملوك مصر الأبطال ابتداءً من زوجها، وابنيها، وحفيدها إلى أن تم تحرير الأرض في النهاية،وقام الملك أحمس الأول بتقدير وتكريم جدته الراحلة الملكة تتي شيري أقصى ما يكون التقدير والتكريم. فأقام لها ضريحًا في منطقة أبيدوس الخالدة، مقر عبادة رب الأرباب، ورب الموتى، وسيد العالم الآخر، المعبود الأبرز أوزير، ومقر ملوك مصر الأسلاف المبجلين. وأقام هناك لوحة تذكارية تخلد ما فعله من أجل تلك الجدة العظيمة.

وتظهر الملكة تتي شيري على هذه اللوحة جالسة في منظرين، أحدهما على اليمين والآخر على الشمال، ويقف أمامها، في كل من المنظرين، حفيدها الملك أحمس الأول، مقدمًا القرابين والعطايا لجدته المبجلة دومًا وأبدًا. ويذكر الملك أحمس الأول في نص تلك اللوحة خططه وخطط زوجته الملكة أحمس نفرتاري لتكريم تلك الجدة المحبوبة مثل تشييد هرم ومقصورة لها داخل المجموعة الجنائزية الخاصة بالملك أحمس الأول.

وفي نصه يشير الملك أحمس الأول إليها قائلًا: "أتذكر أم أمي، وأم أبي، زوجة الملك الكبرى، وأم الملك، تتي شيري المبجلة. إن لها بالفعل مقبرة وأثرًا جنائزيًا على أرض إقليم طيبة وإقليم أبيدوس، غير أنني قلت ذلك لك لأن جلالتي يريد أن يبني ضيعة هرمية لها في الجبانة بالقرب من الأثر الخاص بجلالتي، وتم حفر بحيرتها، وتم زراعة أشجارها، وتم إمدادها بالقرابين من أرغفة الخبز... وبمجرد أن تحدث جلالته بهذا الأمر، تم تنفيذه. وفعل جلالته ذلك لأنه أحبها أكثر من أي شيء. ولم يفعل الملوك السابقون المثل لأمهاتهم".

 ولم يُعثر لها على مقبرة إلى الآن، وربما تكون قد دُفنت في منطقة دراع أبو النجا في البر الغربي لمدينة الأقصر. وعُثر على مومياء الملكة، التي تحمل اسم "المومياء ب غير المعروفة"، في خبيئة الدير البحري التي وُجدت في مقبرة رقم 320، والتي اكتشفتها عائلة عبد الرسول الأقصرية في عام 1881، واستكمل العمل فيها الفرنسي جاستون ماسبيرو. ووُجد اسمها مكتوبًا على لفائف التحنيط الخاصة بموميائها. وكان هناك تمثال ينسب إليها في المتحف البريطاني بلندن ويمثلها جالسة، وتبين أنه تمثال مزيف.

لقد كانت الملكة العظيمة تتي شيري هي الدافع الأساسي وراء تحرير البلاد من محنة احتلال الهكسوس. وفي هذا ما يوضح عظم دور هذه الملكة المبجلة، ودور ملكات مصر العظيمات في الدفاع عن أرض مصر الخالدة، وتنشئة الملوك الأبطال الجديرين بحكم مصر العظيمة، سيدة العالم القديم.

علاء الدين ظاهر

AHMED

ليست هناك تعليقات